الرئيس الأمريكي باراك أوباما أعلن رسميا يوم أمس عن انتهاء المهمة القتالية للقوات الأمريكية في العراق .قبل سبع سنوات و بضع أشهر سلفه جورج بوش الابن ، و من فوق أمواج البحار هنأ شعبه بالنصر المبين لقواته في احتلال و إخضاع بلاد الرافدين .
خلفه ، الرئيس أوباما ، ومن خلال مكتبه البيضاوي ألقى في منتصف الليل (بتوقيت جرينيتش) كلمة لشعبه يبشره " بأن المهمة القتالية في العراق انتهت ومنها انتهت عملية (حرية العراق) ، و العراقيون أصبحوا أسياد وأحرار في بلادهم، على حسب تعبيره .
خلفه ، الرئيس أوباما ، ومن خلال مكتبه البيضاوي ألقى في منتصف الليل (بتوقيت جرينيتش) كلمة لشعبه يبشره " بأن المهمة القتالية في العراق انتهت ومنها انتهت عملية (حرية العراق) ، و العراقيون أصبحوا أسياد وأحرار في بلادهم، على حسب تعبيره .
مضيفا، لقد تم سحب 100 الف جندي أمريكي وغلق مئات القواعد ونقل ملايين المعدات خارج العراق .معترفا أنه تم دفع "ثمنا باهظا" .
أكثر من سبعة سنوات من غزو و تدمير دولة مستقلة ذات سيادة ،عضو في المنظمة الأممية ،غزو ظاهره الكذب و الاحتيال و باطنه البترول و أمن إسرائيل .
قائد الحملة ، جورج بوش ، قال وفي كل مناسبة إن الإطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين كان القرار الصحيح ، وقال إن بلاده لن تسحب قواتها من العراق قبل تحقيق النصر الكامل ، لكنه استبدال عبارة النصر المبين "بأننا سننتصر " ،والفرق كبير بين "انتصرنا " و "سننتصر".
واعتبر بوش أن الهدف من هذه الحملة "إزالة الطاغية و تحرير ملايين من الرعب " و كأنه يخاطب الأموات ليس الأحياء ،وهم يرون كيف حول بلد امن موحد إلى شيع و طوائف تتحاور فيما بينها بالرصاص نهارا و بالنحر ليلا عجزت الأنهار و البحار على استيعاب دماء القتلى و المغدورين ودموع الأيتام و الثكلى .
وافتخر بوش ، على الأقل علنا ، بالانجازات الكبرى الذي حققها بغزوه العراق لكنه لم يذكر تكلفة هذه "النزوة" ، بشريا ، ماديا و ماليا ، و لا يزال الجدل محتدما حول عدد القتلى و الجرحى من المدنيين الأمنيين والمشردين خارج و داخل العراق.
ومازال مبلغ مقدار الفاتورة النهائية لهذه الحرب غير محدد ، و هناك من يرى أن التكاليف تعد بترليونات دولار أمريكي. ووفقا للأرقام أمريكية فإن التكاليف المباشرة للحرب على " الإرهاب"، وهي تغطية للعمليات في العراق وأفغانستان ، الجزء الأكبر منها التهمتها نيران العراق .
وكل ذالك بفضل المقاومة ،التي حولت الحلم الإمبراطوري لبوش إلى كابوس و مستنقع لا يمكن الخروج منه كما دخل إليه. وأدى طول أمد الحرب إلى تزايد النفقات على شراء الأسلحة لتعويض الذخيرة المستهلكة والعربات المدمرة، إضافة إلى التكاليف العالية لإبقاء أعداد كبيرة من الجنود في الميدان. و تضاعفت التكاليف السنوية للحرب منذ عام 2003 متجاوزة التكاليف الأولية التي توقع بوش أن تكلفها بضع مليارات دولار أمريكي، و بالطبع كان يتصور أنها سيغطيها بترول العراق ، سائل لعاب ، كما أسال بالأمس القريب بترول الشرق لعاب الإمبراطور الهائج الأخر "ادولوف هتلر" ، وكان السبب في زواله وزوال الرايخ الثالث الذي خطط له أن يعيش عشرة قرون على الأقل ، وكأن التاريخ يعيد نفسه .
ومن أهم انجازات جورج بوش ارتفاع تكاليف الحرب في تكريس عجز الميزانية الأمريكية والذي يمكن أن يرتفع أكثر فأكثر في حال تباطؤ أداء الاقتصاد الأمريكي. و ارتفاع التكاليف أدت إلى تخفيض سقف الميزانيات المخصصة لبعض القطاعات منها الحيوية ،والاستغناء عن بعضها وتحويل بعض الأخر ، مما استدعى اعتماد حزمة حوافز اقتصادية كبيرة للتغلب على الصعوبات المالية.
ويرى العديد من الاقتصاديين أن التكاليف غير المباشرة للحرب أعلى بكثير من التكاليف المباشرة. وخلصت دراسات عديدة أنجزت من طرف خبراء في عالم الاقتصاد أن تكلفة غزو العراق تقترب من تكلفة الحرب العالمية الثانية .
ويضيف الخبراء إن الرقم المذكور ضخم جدا لأنه سيشمل التكاليف التي لم تتضمنها التقديرات الرسمية مثل تكلفة الرعاية الصحية مدى الحياة لصالح الآلاف المصابين والذين يعانون من تأثيرات جسدية و نفسية جراء العمليات القتالية .
هذا من الجانب الاقتصادي ، أما من جانب البشري فعدد القتلى والجرحى من الجنود الأمريكيين غير معروف بدقة بسبب التعتيم وعدم إعطاء الأرقام الحقيقية ، حفاظا على الروح المعنوية التي أصبحت غير متوفرة وارتفعت نسبة الجنون و الانتحار بين جنود قيل لهم أنكم ذاهبون لإزالة "طاغية" والعودة مباشرة ، وإذ بهم يكتشفون الجحيم ،وغير امنين حتى داخل ثكناتهم وملاجئ ثكناتهم ، كما شرحت أحدى عائلة جندي عائد من العراق بنصف جنون ، وهو يستيقظ كل ليلة صارخا "إلى الملاجئ...إلى الملاجئ " .
الأرقام الرسمية تتحدث عن 4000 قتيل و لا حديث عن الجرحى ، أما الواقع يقول أضف على الأقل صفر على يمين هذا العدد أما الجرحى والمصابين ،مباشرة أو غير مباشرة ، فعددهم يمكن إضافة أصفار أخرى دائما على يمين العدد المذكور.
ولا يخفى على أحد أن من أهم أسباب هذا الغزو التحريض اللوبي الصهيوني المهيمن على مفاصل القرار في الولايات المتحدة لهدف استراتيجي هو أمن إسرائيل ، الذي يقال أنه يمر عبر تدمير العراق ، لكن الواقع يقول العكس : زوال إسرائيل سيكون عبر أنقاض العراق .
لأن أنظمة شمولية و مركزية حول إسرائيل ستكون أصلح لأمنها ،لأنها (هذه الأنظمة) ، حتى و لو أنها تتظاهر بمعاداة إسرائيل،إلا أنها لا تريد المغامرة والذهاب بعيدا ،عكس الأنظمة العقائدية والذي لا يهمها المناصب و الكراسي ، كما هو حاصل في أفغانستان ، على سبيل مثال .
أما الجانب الديمقراطية وحقوق الإنسان الموعودة الأرقام تتحدث عن اثنا عشر ألف (12.000) حكما بالإعدام أصدرتها محاكم العراق الجديد ، خريجة معاهد ديمقراطية " المحتل ، في مدة زمنية لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة من السنين . أحكام نفذت أغلبيتها من بينها في حق نساء . هذا العدد أكدته منظمات حقوقية دولية و أكدته حتى وزارة حقوق الإنسان للنظام القائم في عراق ما بعد صدام حسين.
مما جعل العراق البلد الثاني بعد "الجمهورية الإيرانية " في عدد الأحكام بالإعدام و سرعة تنفيذها على حسب منظمات العفو وحقوق الإنسان الدوليين .
هذا العدد هو رقم رسمي موثق و مدون على الأوراق ، أما العدد الموجود في أقبية السجون السرية وأماكن الاحتجاز الغير المعلن عنها والتي يتم تصفية فيها الخصوم بدون مشقة تقديمهم أمام العدالة و التي كشفت عن جزء من تلك الأماكن منظمات محلية و دولية أو من طرف جيش الاحتلال الأمريكي نفسه ، لتبقى علامات استفهام كبيرة تحيط بالعدد الحقيقي للذين مروا على مشانق العراق الجديد. ربما سيمكن تقدير عددهم يوم تفتح فيه مقابر جماعية مجهولة في الوقت الراهن.
ليتبن في الأخير أن صدام حسين لم يكون سوى تلميذا في السنوات الأولى من التعليم التحضيري أو "هاوي " لا يفقه في "الفنون الاحترافية" في مقابل أساتذة ذوي الاحتراف و الاختصاص العالي في مواجهة الخصوم وكيفية تنصيب لهم المشانق ليلا و نهارا حتى في أيام الأعياد...
من يصدق أن الولايات المتحدة التي جهزت أكبر حملة عسكرية عرفها التاريخ لغزو بلد على وزن العراق ، وكل هذه المشقة والخسائر المعلنة و الغير معلنة ، كانت تخطط سلفا لترك العراق بعد بضع سنوات، و هي كانت تخطط أصلا توسيع غزوها شرقا و غربا .
كل ذالك بفضل ضربات المقاومة العراقية ، التي ستتشرف بأن يكون اسمها مسجلا في قاموس التاريخ بأنها أسرع مقاومة عرفها تاريخ وبأساليب و تقنيات أذهلت المحتل وأفقدته توازنه . أما عن الخمسين الف جندي الباقين تحت مسميات التدريب و غير ذالك من مصطلحات "حفظ ماء الوجه" فينطبق المثل الذي يقول " ماذا عسى أن تفعله الرياح ما عجزت عنه العواصف " .
إذا كان ما يقارب من 200 الف عسكري من قوات الاحتلال و حلفائها وحراسها الأمنيين وأتباعهم جابوا الأرض و الجو ، عجزوا عن الصمود في وجه ضربات المقاومة واجبروا على الانسحاب من المدن والحجز عليهم في قواعد لم تحميهم هي الأخرى من "رجم" المقاومة لها ليلا و نهار ، فماذا عسى أن تفعله هذه القوة الباقية "الغير قتالية" إلا الهروب "جنوبا" في إحدى الليالي الحالكة ...المختصر المفيد أن احتلال الأمريكي للعراق فشل بهزيمة تاريخية وهذا ما سيكتبه ، بشكل رسمي ، التاريخ في سجلاته الرسمية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق