الجمعة، 20 أغسطس 2010

" الغزو شمالا و الهروب جنوبا"

"لم ينتحروا على أسوار بغداد ، لكنهم تمنوا لو أنهم انتحروا على أسوارها"



 


بثت وسائل الإعلام الأمريكية صورا لمعظم مركبات اللواء "فور سترايكر" للفرقة الثانية مشاة للجيش الاحتلال الأمريكي وهي تغادر ، بدون رجعة ، الأراضي العراقية باتجاه الجنوب خلال الساعات الأولى من صباح الخميس التاسع عشر من الشهر الجاري . قبل سبع سنوات و بضع أشهر نفس الوسائل كانت تنقل مشاهد لتلك الجحافل و هي متجهة شمالا مقصدها عاصمة الرشيد . العامل المشترك للمشهدين أن أفراد تلك القوات كانوا فرحين في الرحلتين ، رحلة الشمال كلهم لهفة للوصول إلى الكنوز بلاد الرافدين الموعودة وإذ بهم يكتشفوا أن تلك الكنوز ما هي إلا نيران وقنابل كانت في انتظارهم على جنب الطرقات وتحت الجسور و قذائف "الهاونات" وغيرها تصلهم حتى مضاجهم المحصنة ،ليلا و نهارا ، ومشانق نصبت بعناية على الجسور القديمة . أما مصدر فرح "رحلة الجنوب" نهاية كابوس وسلامة البقاء على قيد الحياة . في الحقيقة ، لم ينتحروا على أبواب عاصمة الرشيد ، كما كان مفروضا أن يحصل، لكنهم احترقوا داخل أبوابها وتمنوا لو أنهم انتحروا خارج أبوابها كان ذالك أفضل من لهيب نيران لا تعرف الكلل و الملل و هي دائما مشتعلة و تقول "هل من مزيد". رحلة الجنوب ، يسميها البعض انسحاب مسؤول والبعض الأخر نهاية المهمة ، بعد أن تم تصدير الديمقراطية الموعودة وتلقين الشعب العراقي أساليبها الحديثة في كيفية الاقتتال ونحر بعضهم البعض في الشوارع و غير الشوارع ، وتقسيم البلاد إلى شيعا و طوائف تتحاور فيما بينها بالرصاص نهارا وبالنحر ليلا . رغم هذه المسميات إلا أن المعنى واحد في القاموس وبجميع اللغات أنها " رحلة الهروب الكبير" . من يصدق أن الولايات المتحدة التي جهزت أكبر حملة عسكرية عرفها التاريخ لغزو بلد على وزن العراق ، وكل تلك الأموال التي صرفت والخسائر المعلنة و الغير معلنة ، كانت تخطط سلفا لترك العراق بعد بضع سنوات، و هي كانت تخطط أصلا توسيع غزوها شرقا و غربا . وكانت "رحلة الجنوب" من المفروض أن تحصل قبل سنين و خاصة عام 2006 و 2007 ، عندما اشتدت ضربات المقاومة العراقية ، التي ستتدخل التاريخ بأنها أسرع مقاومة عرفها تاريخ وبأساليب و تقنيات أذهلت المحتل وأفقدته توازنه . لكن ، كما هو الحال في جميع ثورات الشعوب "العمالة و الخيانة"  عاملين أساسيين في تمكين العدو من التقاط أنفاسه وتمديد احتلاله إلى حين...

ليست هناك تعليقات:

آخر المقالات