"مجموعة أهم الأحداث" : التاسع من شهر ابريل من كل سنة تمر ذكرى سقوط بغداد قلب و عاصمة العروبة والكبرياء "العروبي"...
وما زالت بغداد تحصي جروح ورغم عمق تلك الجراح برهنت أن السقوط لا يعني أبدا الموت . رغم أن التاريخ عليه الاستعانة بصفحات إضافية لا نهاية لها وبأقلام حبرها دماء مازالت تنزف ظلما و عدوانا لكي يتم توثيق تلك الجروح وآلام التي سببها ذالك الغزو الجائر الظالم ...
بغداد تتذكر في مثل هذا اليوم من كل سنة يوم سقوطها و سيجف الحبر منبعه المحيطات و البحار قبل أن تنهي من سرد حكاية سقوط وغدر و خيانة .
وستذكر بغداد في كل مرة الحاضرين ليعلموا الغائبين بأي ذنب تركت تسقط . وستذكر الجميع يوم السقوط وهي تصرخ لعل صوتها يصل إلى "معتصماه " قبل أن تتذكر أن معتصماه مات منذ زمن بعيد بدون أن يترك له "وريثا".
وستذكر الجميع يوم السقوط و كيف كانت تحرق وتنهب المؤسسات ، البنوك و المصاريف و المتاحف ، حتى الأرشيف التهمته نيران الحقد و الكراهية ...و لم تنجو منها إلا بنايات الذهب الأسود ... سائل لعاب المحتل.
وستذكر بغداد الكل يوم دخول جحافل الغزاة ومن ورائها جحافل الغدر و الخيانة ، بقيادة حفيد " هولاكو " غزو ظاهره الكذب و الاحتيال و باطنه البترول و أمن إسرائيل ...
و "هولاكو الثاني" لم يتأخر في الإعلان ، بكل فخر و اعتزاز عن "النصر المبين " قبل أن تؤكد له بغداد أنها مازالت حية ترزق وأن هذا النصر المعلن على أمواج البحار ما هو إلا سراب و أضغاث أحلام.وأنها ورطة العصر. . .
صحيح بغداد سقطت ووقعت في الأسر لكن "هولاكو الثاني" لم يجرؤ على التجول في شوارعها ودخلها خلسة في جنح الليالي ، مثله مثل أي لص ، مرتجفا مرتعدا كل نسمة ريح يحسبها قذيفة أو عبوة ناسفة. وصحيح أيضا أن جحافله لم ينتحروا على أسوارها ، لكنهم احترقوا في نيرانها و تمنوا لو أنهمانتحروا على أقدامها .
"هولاكو الثاني" زعم أن الهدف كان تحرير بغداد من الرعب "الطاغية" ، و كأنه يخاطب الأموات و ليس الأحياء ،وهم يرون كيف حولها إلى أنقاض و خراب و عاصمة لطوائف متناحرة تتحاور فيما بينها بالدم و الدموع .
وما يزال الجدل محتدما حول عدد القتلى و الجرحى من المدنيين الأمنيين والمشردين في الخارج و الداخل .ومازال مبلغ مقدار الفاتورة النهائية ، المباشرة و الغير مباشرة، لدمارها غير محدد .
وتوقع قائد الحملة أن تكلفة الحرب لا تكلف خزينة بلاده شيئا ، في أسوأ الأحوال مبلغ يسير ، و بالطبع كان يتصور أن بترول العراق كفيل بذالك وأكثر . كما كان يظن بالأمس القريب قرينه وحليف أفكاره الإمبراطور الهائج الآخر "ادولوف هتلر" ، عندما توجه شرقا طامعا ومستكبرا ، وكان السبب في زواله وزوال الرايخ الثالث ، إلى " مزبلة التاريخ" وهو الذي خطط أن يعيش هذا الرايخ عشرة قرون على الأقل ، وكأن التاريخ يعيد نفسه .
نعم ، لقد أعاد التاريخ نفسه ، لقد خلصت عدة دراسات و اعترافات ، أغلبها من الأمريكيين أنفسهم، أن تكلفة سقوط عاصمة الرشيد اقتربت أو هي في حدود الاقتراب من تكاليف الحرب العالمية الثانية، وفقا لتقديرات اليوم، هذا على جانب المالي .
أما عن جانب البشري ، فان عدد القتلى و الجرحى أو الذين تأثروا بها غير معروف بسبب سياسة التعتيم وإخفاء الأرقام الحقيقية حفاظا على الروح المعنوية و على روح التكبر الإمبراطوري . وقصة ذالك الجندي الأمريكي العائد من جحيم بغداد ، وهو يستيقظ كل ليلة صائحا على أفراد عائلته "إلى الملاجئ ... إلى الملاجئ"، خير مثال على ما يعانيه ذالك الجيش على أسوار و داخل أسوار بغداد.
ومن ورطة هذه الحرب رفع الغطاء عن حجم شيخوخة هذه الإمبراطورية الذي كانت مختبئة في جلد نمر ، بعد كان الكل ، شرقا و غربا، يهابها ويرتعد من وعيدها ، أصبح لا أحد يعيرها الكثير من الاهتمام.
فكوريا الشمالية تجرب و تطلق صواريخها طويلة المدى و إيران ماضية في برنامجها السلمي الظاهر " والله اعلم في الباطن" ... والصين ماضية في تقوية ترسانتها الحربية في البر ،الجو و البحر ، ليوم لا ريب فيه...
أما روسيا بعد سنوات العجاف أصبح لها يد من حديد تضرب و تؤدب حتى أصدقاء و أحباء هذه الإمبراطورية التي بدأت الشمس تغيب عنها ، وهي تتفرج لا تستطيع حمايتهم أو حتى إنقاذهم .
وصحيح أيضا عندما فكر و خطط "هولاكو الثاني" في اجتياح بغداد لم يفكر أبدا في تزويد جنوده بالخوذات والسترات الواقية من الرصاص لأن العراقيين كانوا سيستقبلونهم بالورود على جوانب طرقاتها و على أبواب مطاعمها ، لتبين أن تلك الورود كانت "العبوات الناسفة" و "القنابل الحارقة" والتوديع "بالأحذية الطائرة"...
حمدان العربي الإدريسي
08.04.2010
(تعديل جزئ : 07.04.2012)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق