الأحد، 7 ديسمبر 2008

"عام نُحرت فيه العباد بدل الأنعام "...




كلما اقترب عيد الأضحى المبارك ، تذكرت التواريخ وعلاقتها بذاكرة الإنسان . فمثلا إذا ذكرك إنسان بتاريخ محاولة هدم مكة المكرمة،ربما لا تجد وقعا على ذاكرتك، كما لو قال لك "عام الفيل"...
أتذكر جيدا أن أجدادي ، وحتى أمي ،رحمهم الله ،  لم يستعملوا أبدا التواريخ لا ميلادية و لا هجرية و لا تواريخ أخرى...
 وكانت أمي عندما تحاول أن تحدثني عن حادثة مهمة مرت عليها ، كانت تقول لي مثلا، عام "المريكان" (عام دخول الحلفاء بقيادة أمريكا لمطاردة قوات المحور) ...
 أو عام الشر ، عندما أجبرت الظروف المعيشية القاسية والدها على رهن سكينه ، وهو كل ما يملك ، مقابل حفنات من الطحين لإطعام أخواتها الجياع ،الخ.  لذلك فهذا العصر يصطلح أن يطلق عليه "عصر الأعياد التي استبدلت فيها نحر العباد بدل الأنعام"... 
وفي ذاكرتي حادثتين، الأولى إعدام الرئيس العراقي، صدام حسين، صبيحة العيد ،والأخرى إعدام ضباط الذين حاولوا الإطاحة بملك المغرب السابق ، أيضا في أحد أيام هذا العيد المبارك وذلك الضابط وهو مساق إلى النحر "مسبحا ، مكبرا" ... 
يوم اعزه الله، عز وجل، وأراده أن يكون يوما مباركا لعباده، يوما تسيل فيه دماء الأنعام،التي سخرها له الله ، بدل دماء الإنسان إكراما له من خالقه ...
 يوما أمر الله جبريل أن لا تسيل دماء سيدنا إسماعيل، عليه السلام، و استبدلها بدماء "كبش" ليكون دليلا و عنوانا للبشرية، حتى يرث الله الأرض ومن عليها...
لكن الإنسان ، هذا المخلوق الضعيف ، نشأته معروفة ونهايته معروفة أيضا ، و تستطيع أصغر "بعوضة" أن تؤذيه وربما تقضي عليه، استعلى وتمرد على هذه القاعدة والإرادة الربانية وجعله يوما "فرجة" يدعو فيه الضيوف من كل فج عميق لمشاهدة كيف " تنحر فيه العباد بدل الأنعام"...
وغدا سيحل عيد الأضحى المبارك ، بالتوازي ستمر ذكرى أخرى  للإعدام صدام حسين في صبيحة هذا اليوم العظيم أمام مرأى و مسمع العالم أجمع ، وانتهكت حرمة هذا العيد ونحرت العباد بدل الأغنام، استفزازا لمشاعر أكثر من مليار مسلم...
وافتخر من نفذ "عملية النحر"   أنه رفض طلبا من المحتل بعدم تنفيذ حكم الإعدام في يوم العيد ، كأنه يقول أن المحتل أرحم منا ....
وإعدام صدام حسين في يوم العيد فتنة خطط لها بإتقان ، لأن كل عام وفي صبيحة كل يوم عيد سيحتفل قسم من الناس بذكري إعدام الطاغية ،كما يسمونه، أمام مرآي ومسمع قسم من طائفة محسوب عليهم الرجل ، لاستفزازهم والتذكير بجرح قديم جديد، كما يحدث تماما في ايرلندا، عندما تحتفل طائفة كل عام بذكري انتصار ملكهم ويستفزون بذلك الطائفة الأخرى...
وهذه هي الوصفة التي وصفت للعراق وستبقي ربما لألف سنة وهي تنهش في جسم الأمة، والذي أفتخر بأنه رفض طلبا أمريكيا بعدم التنفيذ يوم العيد ويدعي بأنه هو الكاتب والمخرج وفي الحقيقة ما هو إلا قفاز من البلاستيك أستعمل لتركيب وزرع هذه البذور الفتنة .وإذا كان لكل عصر اسم ،( عام الفيل ،...) فهذا العام سيبقى يتذكره التاريخ بعام الذي نحرت فيه العباد بدل الأغنام...




بلقسام حمدان العربي الإدريسي

ليست هناك تعليقات:

آخر المقالات