الاثنين، 23 أبريل 2007

الجدران الطائفية في العراق

استنساخ الجدران
يبدو ان الادارة الامريكية قد استنفدت كل ما في جعبتها من حلول وافكار للسيطرة علي الاوضاع في العراق، فلجأت الي حليفتها اسرائيل طالبة النجدة، فجاءتها علي شكل خطة لبناء اسوار تقسم احياء بغداد، وتكرس الفصل الطائفي الذي دخل قاموس هذا البلد بشكل قوي في السنوات الاربع الماضية التي هي عمر الاحتلال।سور الاعظمية الطائفي يهدف، حسب وجهة نظر حكام العراق من الامريكيين، الي وقف الهجمات الطائفية التي تشنها بشكل خاص فرق الموت التي اسستها ميليشيات الائتلاف الحاكم، ودعمتها وزارة الداخلية في الحكومات العراقية المتعاقبة.العراق الجديد من المفترض، مثلما بشرنا الرئيس جورج بوش، ان يكون واحة تعايش وانفتاح سياسي واجتماعي تسوده الديمقراطية والمساواة والأمان والرخاء، ولكن ما نراه علي الارض مغاير لذلك تماما، فالتقسيم لم يعد مقتصرا علي المناطق، حسب الانتماء الطائفي او العرقي، وانما بدأ ينتقل الي المدن، وربما الي القري والعشائر في المستقبل القريب.فاليوم سور الاعظمية، وغدا سور البصرة، وبعد غد سور الموصل، وبعد بعد غد سور كركوك وهكذا حتي يتحول العراق كله الي باتسونات، او غيتوهات طائفية معزولة تغلق ابوابها في وجه الغرباء من الغيتوهات الاخري.لم تعد هناك هوية وطنية عراقية، وانما هوية طائفية واخري عرقية، وثالثة مناطقية، ورابعة دينية، وخامسة عشائرية، العراق يتمزق، بل ويتشظي بطريقة مرعبة، وقد تكون بداية لتشظي المنطقة العربية بأسرها.فالعراق لم يعد يصدر الديمقراطية، وانما المهاجرين الفارين بأرواحهم طلبا للسلامة. يصدر الطائفية البغيضة والحروب الاهلية، والفساد الاداري والاخلاقي، وعمليات النهب المنظم وشبه الشرعي لثروات البلاد والمال العام.الخطة الامنية الامريكية لم تنجح في بغداد، ولا اي مكان آخر في العراق، فعدد الضحايا يتفاقم بشكل مضطرد منذ تطبيقها، وانفجارات السيارات المفخخة تتضاعف، وتنظيم القاعدة الذي يريد الرئيس بوش محاربته في العراق حتي لا يصل الي امريكا اسس دولته في الانبار وبات يعين وزراء الدفاع والداخلية والإعلام في حكومته الجديدة.مئة وسبعون الف جندي امريكي في العراق حاليا، عجزوا تماما عن تأمين جزء يسير من العاصمة، وحماية اعضاء البرلمان من التفجير في ملاذهم في المنطقة الخضراء التي لم تعد آمنة علي الاطلاق، وهذا ما يفسر وجود معظم المسؤولين والوزراء العراقيين في الخارج تحت ذريعة القيام بمهام رسمية.الاسوار العنصرية العازلة لم تحم الدولة العبرية من العمليات الفدائية، ولم تمنع الاستشهاديين من الوصول الي اهدافهم، واذا كان عدد العمليات الاستشهادية قد تراجع في فلسطين، فليس بسبب الجدار العنصري، وانما قرار الهدنة الذي اتخذته حركة المقاومة الاسلامية حماس والتزمت به علي مدي العامين الماضيين، كمقدمة لدخولها العملية السياسية، وخوض الانتخابات البلدية والتشريعية.الفلسطينيون نجحوا في اجتياز عقبة الجدار العنصري، واخترعوا الصواريخ القادرة علي الطيران من فوقه والوصول الي المستوطنات والمدن الاسرائيلية في العمق الاسرائيلي، وآخرها امس الاول الصاروخ الذي اطلقته حركة الجهاد الاسلامي ووصل الي قلب سدروت وأوقع اكثر من عشر اصابات.العراقيون لم ينتظروا من امريكا قائدة العالم الحر، والنموذج الحقيقي في المساواة والتعايش في اطار الديمقراطية وسيادة القانون، ان تأتي اليهم بالجدران العازلة، والتقسيمات العرقية والطائفية، وانما بالعدالة والمساواة والرخاء الاقتصادي.امريكا غزت العراق واحتلته بسبب اسرائيل والنفط، وليس حرصا علي حقوق الانسان العراقي، ونشر الديمقراطية، وها هي تسعي لتكرار الشيء نفسه ضد ايران تحت ذريعة مفاعلها النووي. فايران كانت دولة صديقة عندما صمتت علي غزو العراق وتعاونت معه من خلال اتباعها الحكام الحاليين، ولكنها انقلبت الي عدو خطير يجب تدميره بمجرد انها عبّرت عن طموحاتها النووية، واظهرت عداءها للدولة العبرية من خلال تصريحات رئيسها محمود احمدي نجاد.هناك مثل انكليزي يقول اذا وقعت في الحفرة فإن اول شيء يجب ان تفعله هو ان تتوقف عن الحفر . ومن الواضح ان الرئيس بوش الابن لم يسمع بمثل هذا المثل، وان سمع به فعلا، فانه لا يستخلص العبر والفائدة منه، فمنذ ان سقط في حفرة العراق وهو مستمر في الحفر، حتي باتت اعمق من ان يستطيع الخروج منها.فهو، اي الرئيس بوش، ما زال يرسل قوات اضافية الي العراق، ويطلب المزيد من الاموال لتغطية النفقات الباهظة والمتعاظمة من الكونغرس، ويرفض كل النداءات بالانسحاب، في محاولة يائسة لتحقيق انتصار ما يستطيع ان ينقذ من خلاله سمعته وتاريخه، وهذا ما يفسر سعاره الحالي، ومحاولاته اليائسة لتحقيق الامن في بغداد ولو لفترة مؤقتة.الرئيس بوش ارتكب اخطاء كارثية، ليس فقط باعتماده علي مسؤولين عنصريين حاقدين مثل ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وجون بولتون وبقية المحافظين الجدد، وانما برهانه علي نظرائهم الطائفيين والاكثر حقدا في العراق، الذين تعاملوا مع بلدهم كسبي ، وعملوا منذ اليوم الاول علي التصرف بعقلية المافيا، وليس بعقلية الحكام الذين هم لجميع الشعب، وليس من طائفة ضد اخري. فبالأمس كانت عملية اجتثاث البعث، عملية صائبة وضرورية ومقدسة، واليوم باتت كارثية ومقيتة يجب التراجع عنها، واعادة استيعاب الغالبية الساحقة من الضباط والكوادر البعثية في الجيش ومؤسسات الدولة، او ما تبقي منها.هذا التخبط، من قبل الرئيس بوش، والمجموعة الحاكمة في العراق، هو الذي ادي ويؤدي الي تفاقم الأوضاع نحو الاسوأ، وهروب اكثر من اربعة ملايين عراقي من بيوتهم الي داخل العراق او خارجه بحثا عن الامان ولقمة العيش.والمصيبة ان امريكا والدول الغربية الاخري التي لبست مسوح الاخلاق، وتباكت علي العراقيين وحقوقهم الانسانية تدير الظهر كليا لهؤلاء. فالاتحاد الاوروبي اتخذ قرارا بعدم استضافة اي لاجيء عراقي من المليونين الذين تزدحم بهم شوارع عمان ودمشق، والولايات المتحدة وبعد ضغوط شديدة، قالت انها ستستوعب 25 الفا من هؤلاء علي مدي خمس سنوات مقبلة.عراق اليوم هو قصة خداع وكذب ونفاق غربي وغدر من قبل بعض الذين ينتمون زورا وبهتانا الي هذا البلد، وعاشوا معظم حياتهم خارجه يخدمون الاجهزة الامنية المعادية.الحل هو في خروج الغزاة ومن جاء معهم، وتقديم هؤلاء جميعا للمحاكمة كمجرمي حرب، واسترداد كل فلس تمت سرقته، وتعويض العراقيين عما لحق بهم من خراب ودمار، تماما مثلما جري تعويض اليهود علي جرائم النازية، ويجري تعويض الكويتيين علي سبعة اشهر احتلال من قبل النظام العراقي السابق.من يدفع هذه التعويضات؟الولايات المتحدة وبريطانيا وكل الدول العربية التي انطلقت منها القوات لـ تحرير العراق، فهناك مليون شهيد عراقي، واربعة ملايين جريح، وخمسة ملايين مشرد ولاجيء، علاوة علي مختلف انواع المعاناة تحت اربع سنوات من الاحتلال.
عبد الباري عطوان
23/04/2007

ليست هناك تعليقات:

آخر المقالات